الرئيس ترامب في السياسة الدولية يسير على خطى رئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف والتي أدت إلى انهيار الكتلة الشرقية وتهديد استقرار العديد من دول العالم. فما يحدثه الرئيس ترامب من البدع السياسية لا يختلف عمّا أحدثه غورباتشوف من خلال اتّباع مصطلحي “بيريسترويكا” و”غلاسنوست”، أي إعادة الهيكلة والشفافية بهدف تحسين مكانة الاتحاد السوفييتي السابق. النية من اتّباع تلك السياسات كانت حسنة، لكنها أدت إلى خراب الاتحاد السوفييتي السابق وما زالت دوله تعاني منه.
أحدث ميخائيل غورباتشوف صدمة عالمية في سياساته كونه سعى من أجل وضع أسس لبناء علاقات دولية جديدة،
سياسات ترامب تُعيد تلك التغيرات من جديد وذلك بعدما أثارت مواقفه الراغبة في استعادة مكانة الولايات المتحدة العديد من التساؤلات، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية لبلاده وتصريحاته فيما يخص التحالفات الأميركية في العالم مثل حلف الناتو.
هدف غورباتشوف تمثل في تحويل الاتحاد السوفييتي من دولة راكدة في المجال الدولي إلى دولة ديناميكية مزدهرة وقوية، وركز على التغيير دون مراعاة المؤسسات التقليدية في الداخل بل كان يرتجل قراراته فبدلا من إحياء الاتحاد تسبب في انهياره.
أما ترامب، حاليا، فهو يرى في المؤسسات التقليدية عبئا على الميزانية الاتحادية للولايات المتحدة، لذلك بدأ بتغيير العديد من السياسات الداخلية والخارجية.
المشترك في نهج غورباتشوف وترامب أن الاثنين تخليا عن الأيديولوجيا السياسية، أو على الأقل لم يهتما كثيرا بها، حتى يكونا أكثر مرونة وتحرّرا في التغيير، مع أن الأساس الذي ينطلق منه الاثنان هو الأيديولوجيا الليبرالية والشيوعية.
وربما الاثنان أيضا كانا ينطلقان من الخطاب الشعبوي ويرون أن القادة السابقين لم يقدّروا مصالح الدولة، وبالتالي فالنتيجة كما يبدو أنها ستكون شبيهة بمكاسب وقتية يعتقد فيها أنها نتائج إيجابية، ولكن مع مرور الزمن تبدأ النتائج السلبية في أن تكون هي الأكثر وضوحا.
يعتقد ترامب كما كان يعتقد غورباتشوف أن العبء الخارجي مثل سياسات ضمان الأمن الجماعي للحلفاء وغيرها من السياسات هو السبب في حالة التراجع الدولي لكل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وبالتالي ينبغي التخفف منها من خلال تفكيك تلك الشراكات الإستراتيجية ما أدى إلى اتّباع سياسة الانكفاء على الداخل أكثر من القيام بدور الدولة الكبرى، وأعطى مساحة لكل دولة عضو في التحالفات حرية الحركة في البحث عن مصالحها فمكنت تلك السياسة دولا من ترك روسيا أو ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي والالتحاق بعدوها الولايات المتحدة وتسببت سياسات تخفيف العبء الإستراتيجي في إضعافها على مرور الزمن.
ما يفعله الرئيس ترامب حاليا في الداخل الأميركي وفي الخارج مع الحلفاء التقليديين لا يختلف كثيرا عمّا كان يفعله غورباتشوف قبل أربعة عقود من هز العلاقات الإستراتيجية، وقد يدفع بالحلفاء إلى الاستعانة بالمنافس الدولي له وهي الصين حاليا، وربما يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى إضعاف الموقف الأميركي في العديد من الملفات محل تنافس كما هو الحال في منطقة جنوب شرق آسيا.