جنين - وطن للأنباء: لا شيء يتغير منذ 12 عامًا، سوى أن نيسان صار يزهر أكثر، ويشرع صدر الأرض كل عام لسيرة من رواها ذات مواجهة، وأطفال أعمارهم من أعمار المعركة يكبرون على رائحتها، يرتلون أصواتها المخبأة في أزقة ذاكرتهم، كذاكرة البلاد البلاد التي نعرفها، والرجال الرجال الذين منحوهم حياة ورحلوا، مدركين أن خيارهم أقوى من قدرهم، لذلك يشهرون النصر بابتسامة قبل مواجهة حتما ستأتي.
والنصر في مخيم جنين استثائي، كالمخيم؛ لأنه نابع من المواجهة التي أدت لمقتل أكثر من 26 جنديًا إسرائيليًا خلال المعركة التي استمرت 13 يوما، كالناس هناك وصبرهم الذي منحهم احتمال فقدان أحبائهم إيمانا واحتسابا لله والوطن، كموت الفلسطيني الطبيعي الذي لا يرضى بأقل من أن يكون ندًا للرصاص والموت، الذي كان بالرصاص والمتفجرات "والأكواع" محلية الصنع، بقتالهم الذي أذهل العالم لـ13 يوما بكل الأدوات وصمودهم الذي أخجل كثيرين، بمساحة بحجم القلب يمتلئ إرادة لم تهزم.
في مخيم جنين معركة مفتوحة منذ النكبة حتى العودة، ونيسان 2002 جولة واحدة كان ما قبلها ولها ما بعدها، فالناس هناك يعيشون في الزمن الموازي لزمننا، بتفاصيل اليوم الأول للاجتياح كما اليوم الأول للهجرة من زرعين وحيفا التي يناظرونها كل يوم، بالقصف الأول للمخيم، كما الغارات التي رواها لهم اجدادهم يوما على حيفا وزرعين وكفر قاسم، باول دخول بري لقوات الاحتلال وقتل 13 جنديا اسرائيليا في كمين حارة الحواشين، كما اجتياح عصابات "الهاجاناة" و"الأراغون" الصهيونية للبلاد عام 48، باستشهاد محمود طوالبة الذي فجر منزل عائلته في قوة اسرائيلية، بشراسة قتال ابو جندل ورحيله اخر يوم في المعركة كقتال فرحان السعدي، بأجساد البيوت التي تحفظ على جسدها رصاص الوقت والموت، بجدران الشوارع التي تحفظ صور الشهداء، حين ينام الجميع. بصبر الامهات.
هنا، في المخيم، يدرك الناس أن ما يحدث لهم ليس قدرا، بل اختيار، وأكثر من أي أحد آخر، يدركون أن حياتهم مواجهة وصراع لا بد أن تتحقق بالنصر، لذلك يملؤون منازلهم بصور الشهداء، ويكتبون أسماءهم في قلوبهم قبل شوارع المخيم، ويحفظون سيرتهم، ويحرسونهم من النسيان.
ولا تكاد تمر عبر زقاق بمخيم جنين إلا وتداهمك حكاية بكل تفاصيلها، البيوت أيضا تحفظ الذاكرة، التي كانت ممرا لتنقل عناصر المقاومة، وميدانا للاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال، وبعضها حاولت المقاومة الاحتفا